عندما وصل مارك زكربيرغ إلى مدينة بالو آلتو في ولاية كاليفورنيا قبل أربع سنوات لم يكن يملك سيارة تقله أو بيتاً يأويه أو عملاً يقيه من السؤال، وحتى لا تبدو هذه الصورة القاتمة كفصل من رواية البؤساء فإن مارك اليوم يمسك بدفة قيادة موقعه الاجتماعي “فيس بوك دوت كوم” Facebook.com الذي اشتهر عالمياً بوصل الناس بعضهم ببعض، رافضاً بنفس الوقت الأيدي التي مدت إليه بعروض تصل إلى مليار دولار. فهل يُعقل هذا الولد؟
خلال ثلاث سنوات فقط تحولت عمليات موقع “فيس بوك دوت كوم” من غياهب
الشقق المؤجرة بالتسوية إلى رحاب مكاتب الشركات الفارهة التي يتوفر فيها
ثلاث وجبات يومياً إضافة إلى خدمة الكي والغسيل الجاف، لكن برغم هذا التطور
الظاهر إلا أنها قد بقيت مبعثرة كغرف طلاب سكن الجامعات.
تشبه حياة زكربيرغ قصة فيلم بدأ بطفل معجزة يخترع ظاهرة تكنولوجية أثناء
دراسته في جامعة راقية، وهي هارفارد، ومن ثم يطلقها لتثير زوبعة من
الاهتمام. ومع صعود نجمه يبدأ الطلاب البارزون بالتجول قرب غرفته في سكن
الجامعة على أمل التعرف عليه شخصياً. وينتهي هذا الفصل بتركه للكلية ليعمل
على تطوير اختراعه ويصبح لسوبرمان الذي سيغير العالم كما عهد. وفعلاً ما
بدأ من أربع سنوات كمجرد موقع انترنت اجتماعيNetworking Site يخص طلاب
الجامعة أصبح الآن الواجهة المفضلة لما يربو عن 42 مليون مشترك (أكتوبر
2007 و التوقعات تقول أن العدد سيصبح 60 مليون بنهاية عام 2007)، منهم
موظفين في الوكالات الحكومية وشركات في قائمة العمالقة الـ 500. ويتلقى
الموقع يومياً زيارات من أكثر نصف عدد مشتركيه. فبحسب شركة “كومسكور ميديا
ميتريكس” التي تتعقب حركة شبكة الانترنت فإن موقع “فيس بوك” هو سادس موقع
استخداماً في الولايات المتحدة- وهذا يعني أن 1% من الوقت على الانترنت
تذهب لصالح موقع “فيس بوك”.
كما صُنف الموقع بحسب الشركة المذكورة في المرتبة الأولى من ناحية أعداد
الصور المتبادلة على الانترنت، حيث يصل عدد تلك المحملة في الموقع يومياً
إلى ستة ملايين صورة. وبدأ الموقع ينافس محرك البحث “غوغل” مع
Flickrو 85 مليون صورة و غيره من عمالقة التكنولوجيا. باعتباره الواجهة
المفضلة للموهوبين من المهندسين الشباب الساعين في وادي السيليكون
الأمريكي. تقول ديبرا آهو وليامسون وهي محللة في شركة إي-ماركترe-Marketer
بأن الموقع يسير بخطوات حثيثة لجلب 100 مليون دولار من العوائد هذه السنة –
وهذا مبلغ لا يستهان به.
يعترف زكربيرغ أنه “هاكر”Hacker بقوله: “يظن معظم الناس لدى سماعهم كلمة
“هاكر” أن الموضوع يدور حول اختراق الأنظمة”، لكنه يجاريك بهذا الرأي إذا
ما وصفته بهاكر عندما يعرف أنك تختلف معه في ترجمته لهذه الكلمة. فبالنسبة
له يدور مجتمع الهاكر حول المشاركة بالجهد والمعرفة لإنجاز شيء أكبر وأفضل
وأسرع مما يمكن لفرد واحد القيام به. ويشرح ذلك قائلاً: “هناك تركيز شديد
على الانفتاح والمشاركة بالمعلومات كإستراتيجية عملية ونموذجية لإنجاز أي
شيء”. حتى أنه قام باختراع مصطلح جديد باسم “هاكاثونز” Hackathons علقه على
موقع فيس بوك- وهو مرادف لما قد يفسره الآخرون على أنه جلسة مركزة لتبادل
الأفكار بين مجموعة من المهندسين.
لكن ما دفع موقع “فيس بوك” إلى واجهة العالم كان يعتمد بالأصل على الاقتحام والدخول غير الشرعي من الطراز العتيد، وكان زكربيرغ هو الجاني. ترعرع زكربيرغ في ضاحية “دوبس فيري” المترفة في نيويورك، وهو ثاني أخواته البنات والابن الوحيد لطبيب أسنان (بالمناسبة لم يكن يعاني من التسوس) وطبيبة نفسانية (أترك للقارئ التفكير بالدعابة المناسبة هنا). بدأ بالعبث بالكمبيوتر بعمر مبكر وتعلم بنفسه كيفية البرمجة. وطور هو وزميله دي أنجلو Adam D’Angelo قبل تخرجهما من الثانوية برنامج يعمل كميزة إضافية لمشغل موسيقى mp3 المشهور باسم وين آمب “Winamp”، ويهدف إلى تتبع وتعلم عاداتك في الاستماع إلى الموسيقى ليقوم لاحقاً بإنشاء قائمة الأغاني التي يحبها ذوقك. وبعد نشرهما للبرنامج مجاناً على الانترنت ثار اهتمام كبرى الشركات مثل مايكروسوفت وأمريكا أون لاين وخاطبوه على الهاتف بلهجة يستذكرها زكربيرغ بقوله: “أنظر يمكنك المجيء للعمل لدينا. آه وبالمناسبة أحضر معك ذاك الشيء الذي برمجته”. لكن عوضاً عن تلقف هذه العروض قرر الاثنان متابعة الدراسة، فالتحق دي أنجلو في جامعة “كالتك” وزكربيرغ في جامعة “هارفارد”.
وهنا وقعت أحداث حلقة جريمة الاختراق التي بدأت دوافعها بسبب عدم توفير جامعة هارفارد لأسماء وصور الطلبة في دليل أساسي، وهو دليل متعارف عليه لدى جامعات أخرى باسم كتاب وجوه الطلبة Face Book، وبالمقابل أراد زكربيرغ إنشاء نسخة الكترونية من هذه المعلومات، لكن الجامعة كما يقول زكربيرغ :”أصرت على مقولة أن الكثير من الأسباب تحول دون جمع تلك المعلومات” ويضيف: “أردت فقط أن أبرهن لهم أن ذلك ممكن”. ففي إحدى ليالي بداية السنة الدراسية الثانية اخترق زكربيرغ سجلات الطلبة الإلكترونية في الجامعة، وأنشأ موقعاً بسيطاً أطلق عليه اسم “فيس ماش” “Facemash” والذي يعمل على مقارنة صور الطلبة مع صور الزائرين لتحديد أيهم “أكثر جاذبية” شكلاً. وخلال أربع ساعات فقط قدم للموقع 450 زائراً وشوهدت 22,000 صورة، وعندما اكتُشف أمره قطعت جامعة هارفارد وصلة الانترنت عن زكربيرغ. بعد حفلة توبيخه على يد الإدارة والتي صاحبها جدل كبير في الحرم الجامعي بحسب ما دونته مجلة الجامعة اعتذر زكربيرغ بكل أدب من زملائه الطلاب. لكن أصر على قناعته بأنه قد فعل الصواب بقوله :”كنت اعتقد أن تلك المعلومات يجب أن تكون موفرة.” (رفضت جامعة هارفارد التعليق على هذه الحادثة)
وبالنهاية عمد زكربيرغ إلى مراوغة الإدارة. فقام بعمل نموذج لكتاب الوجوه Facebook وطلب من زملائه إدخال بياناتهم بأنفسهم. و ساعده في البداية أصدقائه Andrew McCollumو EduardoSaverinوقد استهلك مشروعه وقتاً كثيراً منه حتى أنه مع نهاية الفصل الأول وقبل يومين من امتحان الفن والتاريخ وجد نفسه في معضلة عويصة، لا يكمن حلها إلا بدراسة 500 صورة من الحقبة الرومانية [المترجم: حقبة أغسطس أول إمبراطور روماني]. يقول زكربيرغ :”لم تكن هذه المادة مشابهة للحساب أو الرياضيات من ناحية تطبيق النظريات ومن ثم احتساب الأرقام، حيث يجب حفظها قبل وقت الامتحان.” وكان الحل أنه قام بمغامرة على نمط مغامرات توم سوير، فبنا موقعاً على الانترنت ووضع كل من تلك الصور في صفحة وخصص مكاناً للتعليقات. وبادر إلى إرسال بريد الكتروني يدعو فيه زملائه لزيارة الموقع والمشاركة بملاحظاتهم عن تلك الصور التاريخية، تماماً كما يتم في حلقات دراسية لمناقشة مهمة على الانترنت. ويضيف بقوله:”خلال ساعتين امتلأت صفحات الصور بالملاحظات وكانت نتيجة الامتحان جيدة ليس بالنسبة لي فقط بل للجميع.”
انطلق موقع Thefacebook.com كما سمي أصلاً في 4 فبراير 2004. واشترك فيه نصف الطلاب الدارسين في جامعة هارفارد خلال أسبوعين ومن ثم وصل عددهم إلى الثلثين. انضم لاحقاً إلى زكربيرغ صديقيه موسكوفيتز وكريس هيوز Dustin Moskovitz and Chris Hughes للمساعدة في إضافة مزايا أخرى وتشغيل الموقع معتمدين على خدمة استضافة للمواقع كلفت 85 دولاراً في الشهر. وتبع ذلك رغبة طلاب من كليات أخرى عرض بياناتهم ووجوههم على الموقع مما دفع الثلاثي إلى تخصيص مساحات للمشتركين الجدد من جامعات مثل ستانفورد و ييل. ومع حلول شهر مايو وصل المشتركين في الموقع إلى 30 جامعة. كانت العائدات تأتي من الإعلانات الخاصة بالمناسبات الطلابية والأعمال الخاصة بالكليات والتي بلغت بضع آلاف من الدولارات.
ويقول زكربيرغ عن هذا الانجاز “ما تمنيناه هنا هو السفر إلى كاليفورنيا لإمضاء عطلة الصيف هناك احتفالا بانجازنا.”
وفعلاً توجه في نهاية السنة الدراسية الثانية (بعد ما تركا الجامعة نهائيا و
قررا الالتفات للموقع بدوام كامل) إلى مدينة بالو آلتوPalo Alto بصحبة
صديقيه موسكوفيتز وهيوز و آدم. استأجروا لدى وصولهم شقة بالتسوية مع Sean
Parker مؤسس موقع رفع الملفات Sharing service Napster ليست ببعيدة عن حرم
جامعة ستانفورد وهنا تدخلت الدجاجة لتبيض ذهبا .
في أيلول 2004 قامت شركة و موقع ConnectU بمقاضاة مارك و انه سرق جميع الكودات البرمجية منها لاستعمالها في موقعه الشخصي و القضية ما تزال عالقة ولم تثبت إدانة مارك لهذه اللحظة. و القصة كانت انه عين في هذه الشركة لتطوير الموقع فقام بأخذ الكود و القائمة البريدية و أرسل للجميع رسالة يحرضهم على التسجيل في موقعه فكشفت الشركة الموضوع. و الآن بالعكس يقول كمارك أن كون كت يو هي تسرق لائحة البريد من موقعه و ترسل لهم رسائل لان يسجلوا في موقعها و رفع عليهم قضية بهذا الموضوع والأمور ما تزال عالقة بين قضيتهم و قضيته.
أول استثمار كان من قبل المؤسس المشترك بتأسيس شركة و موقع Paypal, Peter Thiel بمبلغ قدره 500.000 دولار.
في آذار 2005 استطاع الموقع استجذاب شركة Accel Partners لضخ مبلغ قدره 12,7 مليون دولار كرأس مال استثماري. و في آب من نفس العام اشترت فيس بوك اسم نطاق فيس بوك بدون “ذي” من The About Face Corporation بمبلغ قدره 200.000 دولار.
في شباط عام 2006 بدأت فيس بوك بالسماح لطلبة الجامعة بإضافة طلبة جامعيين كأصدقاء. و بعدها بشهر بدأت الإشاعات تظهر عن إمكانية شراء الموقع من العمالقة الكبار. و في نفس الشهر قام فيس بوك بأضخم تقدم ألا وهو تمكين جهة ثالثة و مطوريين لكتابة تطبيقات للموقع.
في نيسان 2006 Peter Thiel Greylock Partners و Meritech Capital Partners استثمرا مبلغا إضافيا قدره 25 مليون دولار في الموقع.
قام فيس بوك في السنة الأخيرة بإضافات عديدة للموقع, تصنيفات و خدمات مما وسع من مجال الموقع و أخيرا اشترت شركة مايكروسوفت 1,6 من الموقع بمبلغ قدره 240 مليون دولار و أيضا امتلكت إعلانات الانترنت على شبكة فيس بوك في الوقت الراهن.
قدر فيس بوك قيمة شركته ب 3,7 مليار دولار. المعلومات اتضحت من خلال ملف قضائي لم يتم حمايته و مراقبته بشكل جيد.
عرف مكتب الإعلام The Associated Press أن قيمة فيس بوك تبلغ 3,7 مليار دولار فقط. المبلغ بالطبع أقل بكثير من 15 مليار دولار, المبلغ المقدر من قبل مايكروسوفت عام 2007 لفيس بوك و التي اشترت حين ذاك الوقت أسهم بقيمة 240 مليون دولار في فيس بوك.
المعلومات ظهرت من ملفات محمية تم تبادلها في المحكمة التي دارت بين فيس بوك و ConnectU و التي اخيرا تم حسمها (كنا ننتظر النتيجة بفارغ الصبر).
استنتجت AP أن قيمة أسهم الشركة الغير مسجلة في البورصة تبلغ كلا منها 8,88 دولار. المعلومات أخذت من هذا الملف السري, الذي على اساس أنه لا يمكن قراءة كافة المعلومات الموجودة عليه و لكن كان ممكن بكل سهولة نسخ و لصق البيانات. إذا لم تنجح المحكمة في تخبئة المعلومات المالية في ملف ال pdf. حيث انه تحت كلمات “سري أو محذوف” يوجد مربع ابيض و لكن ممكن مع نسخ و طبع معرفة ما هو مكتوب بكل سهولة. أيضا ممكن البحث في الملف عن الكلمات المحذوفة!! و رفض المتحدث من فيس بوك عن الإدلاء بأي تفاصيل و حتى مايكروسوفت.
يذكر انه في أيار الماضي قال محاموا الشبكة الاجتماعية أن الأسهم التي تملكها مايكروسوفت في الموقع لا تقارن بقيمة فيس بوك الحقيقية.
و قد اشترت مايكروسوفت أسهم تفضيلية في فيس بوك, أي انه إذا حصل شيء للشركة تكون هي أول من تحصل على حقوقها المالية. و تابع المحامون ان ال240 مليون دولار التي دفعتها مايكروسوفت هي مثل مقارنة تفاح مع أجاص.
أشار المحللين أن إيرادات فيس بوك بلغت العام الماضي مابين 250 و 300 مليون يورو.و اراد الأصدقاء السابقين ل Zuckerberg (مؤسس فيس بوك) و الذين هم وراء ConnectU تسوية الموضوع فيما بينهم عندما اتضح أن قيمة فيس بوك الحقيقة هي ربع ما قدرته مايكروسوفت فقط.
و بالفعل حصل الاصدقاء على ما ارادو و القضية تم حسمها مع 65 مليون دولار يتم دفع جزءا منها عن طريق أسهم
في الشركة.
اتضح من خلال الملف أيضا أن فيس بوك مستعدة لدفع 20 مليون دولار نقديا إلى ConnectU. كذلك تم تبديل 1.253.326 سهم من المالك: إذا اتبعنا قانون مايكروسوفت فهذا يعني ان الأسهم تبلغ قيمتها 45 مليون دولار و لكن إذا اتبعنا تقديرات فيس بوك فقيمة الأسهم تبلغ 11 مليون دولار. أي ConnectU استلمت مبلغ ما بين 31 مليون و 65 مليون دولار.
هنا تقدير آخر لفيس بوك من New York Times , التي استطاعت تحديد قيمة فيس بوك بشكل جيد تقريبا و بدون النظر للملف السري.
أولا التعاون: التعاون بين الأصدقاء الذي كان من أهم أسباب نجاح هذا الموقع و عالم الانترنت يشهد طفرة في بناء مواقع عالمية على أساس التعاون و تقسيم الوظائف و المعرفة بالعمل كفريق.
ثانيا خلق مارك موقع يحتاجه الكثير من الناس والطلبة على وجه الأخص و كان يوجد طلب عليه: هو ركز في البداية على الطلبة ولكن بعد ذلك أصبح الجميع يريد الانضمام. معدل نمو الأعضاء يبلغ 3 % أسبوعيا و هو معدل مذهل لم تصل إليه شركة أخرى حتى الآن. 50 ملون عضو تقريبا و أكثر من نصفهم يزور الموقع مرة على الأقل شهريا. خلق بيئة سلسلة لتبادل المعلومات و اختيار الأشخاص و الأعضاء الذين تريد معهم تبادل المعلومات. و هكذا ترى جميع الذين في شبكتك فقط كالمنزل أو الشركة أو المدرسة.
ثالثا ميزات عديدة للموقع و خبرات: The Wall, Gift, Marketplace, Pokes,
Status, Events, Applications like iLike, platform, Graffiti, Adomomics,
Video’s, Games, Chess, Class Schedules Online,…
ل 24 أكتوبر 2007 يوجد أكثر من 6500 ميزة و تطبيق.
رابعا: الكثير يعزي سبب النجاح أن مارك بدا ينشر الموقع في جامعة هارفارد الشهيرة و هذا بحد ذاته سبب يؤدي للنجاح بما أنها جامعة مشهورة جدا و معروفة. و لعبت الأقدار في هذه النقطة. و انتشر في البداية عن طريق الطلبة بين بعضهم البعض.
خامسا: بناء اسم و علامة معروفة و مألوفة و هكذا لن تنسى لدى العامة و لدى المعلنين أيضا المهتمين بالعلامة و ليس فقط الضغط على الإعلانات وإنما “العلامة التجارية القوية” التي يريدون المعلنون العمل معها.
القصة مقتبسة من إيلين ماكغيرت – تعريب معتز باطر – مدونة السندباد, مع إضافات من مواقع أخرى ترجمة موقعنا : كاش فلو